10
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لا أتذكّر متى كان آخر موضوع لي في هذا القسم، لكن قبل كل شيء أرحب ببقايا الترفيهي
بمناسبة هذا الموضوع:
أنقل ما قاله بدوي الجبل في أحد أجمل الأبيات الّتي أعشقهـا وأحفظهـا كإسمي وأتغنّى بهـا ما كُنت متفرّغًا ( بالإيجاز حسبما درستهـا ) عن تلك الحادثة:
1- يا سامرَ الحيّ هل تعنيك شكوانا؟ رقّ الحديدُ وما رقُّوا لبلوانا!
2- خلِّ العتابَ دُموعًا لا غنـاءَ بهـا، وعاتِبِ القومَ أشلاءً ونيرانًا.
3- آمنتُ بالحقدِ يُذكي من عزائِمِنـا، وأبعدَ الله إشفاقًا وتَحنانًا.
4- ويلُ الشُّعوبِ الّتي لم تسقِ من دمِهَـا... ثاراتِهَا الحُمرَ أضغانًا وأحقادًا!!
5- ترنَّحَ السَّوطُ في يُمنى مُعذِّبِهَا، ريّانَ من دمِهَا المسفوحِ سكرانًا!!!!
6- تُغضي على الذُلِّ غُفرانًا لظالمـهـا! تأنَّقَ الذلُّ حتّى صارَ غُفرانًا!
7- ثاراتُ يعربَ ظمأًى في مراقدهـا، تجاوَزَتْهـا سُقاةُ الحيِّ نِسيانًا.
8- قُل للأُلى استعبدوا الدُنيا لسيفهِمُ، من قسّمَ الناس أحرارًا وعُبدانا؟!
9- إنّي لأشمتُ بالجبارِ يصرعه... طاغٍ ويرهقٌهٌ ظُلمًا وطُغيانا!!!!!
10- لعلّهُ تبعثُ الأحزانُ رحمَتَه؛ فيُصبحَ الوحشُ في بُرديهِ إنسانًا!
11- والحزنُ في النّفسِ نبعُ لا يمرُّ بهِ، صادٍ من النّفسِ إلّا عادَ ريّانًا...
12- والخيرُ في الكَونِ لو عرّيتَ جوهَرَهُ؛ رأيتَهُ أدمُعًا حرّى وأحزانا...
13- ما للسّفينةِ لم ترفعْ مراسيَهَا؟ ألم تُهيّئ لهـا الأقدارُ ربّانا؟!
14- شُقّي العواصف والظلمـاءَ جاريةً... باسم الجزيرةِ مجرانا ومرسانا...
15- ضُمّي الأعاريبَ من بدْوٍ وَمِنْ حَضرٍ؛ إنّي لَأَلْمَحُ خَلفَ الغَيْمِ طُوفانا...
16- يا من يُدلُّ علينـا في كتائبِهِ... نظارِ تَطْلَع على الدُنيا سرايانا...
شرح الأبيات:
1- يا سامرَ الحيّ... النداءُ للاستغاثة، هل تسمعنـا يا من تسمر وتتحدث ليلًا؟ هل يعنيك ما نشتكي منه؟ لقد رقّ الحديد ولان وتأثّر بمـا
نُعاني منه، وما رقوا وما استجابوا لندائنـا... لقد رق الحديد رغم قسوته، وهم لم يرقوا، أيعقل أن قلوبهم أشد قسوة من الحديد؟!
2- حوّل العتابَ واللوم دموعًا لا نكتفي منهـا، اجعل ما نعاني منهُ واضحًا، عاتبهم بمحاربتهم وتفتيتهم وإحراقهم...
3- أيقنتُ أنّ الحقد والكره يشعل عزائمنـا، وعسى الله أن يُبعد عنّا الشفقة واللين في مواجهة المعتدين الظالمين... فلا تراخٍ ولا تراجع في الدفاع عن النفس، وطرد المُحتل.
4- الويل والعذاب والهلاك للشعوب التي لم تحقد وتشعل نيران غضبهـا وثوراتهـا على أرواحهـا ودماء شهدائهـا في وجه المُحتل، الويل للشعوب الّتي ترخص من دم شهدائهـا.
5- لقد مال وترنّح السوط الَّذي أصبح سكرانًا بعد أن ارتوى من دماء الشهداء! في أبشع صورة لأنواع التعذيب... وأبشع الصور لوحشيّة المُحتل.
6- تتجنّب وتسكت وتتغاضى وتصبر عن الذل وتغفر للظالم... تقبل الذل والهوان بنفسٍ راضية... بيت يدل على قمة التوبيخ؛ فالشاعر يريدهم أن يثوروا وألّا يسكتوا عن حقهم.
7- التشجيع على الثورة والاستيقاظ... ويعرب تعني العرب ( وهو اسم أوّل من تكلّم باللغة العربيّة ) واشتقّت العربية من اسمه، وهو من نسب سيدنا نوحٍ عليه السّلام.
8- قل للذين استعدبوا الدنيا بسبب قوتهم، من الذي قسم الناس عبيدًا وأحرارًا؟ مقتبسة من قول عمر بن الخطاب: متى استعبدتُمُ النّاسَ وقد ولدتهم أمهم أحرارًا؟
9- إنّي لأفرح بمصيبة العدو بأن يهلِكَه طاغٍ، وبتأويل أكبر: أشمت بفرنسـا من ألمانيا؛ فألمانيا قامت باحتلال فرنسـا؛ وعليه يتمنى الشاعر أن تذيق ألمانيا فرنسـا ما ذاقته
سوريـا من فرنسـا؛ فكما تَدينُ تُدان، وتلك الأبيات كانت احتفالًا بمـا حدث... وإذا نظرنا نظرةً عميقة فسنجد أن الجزاء من جنس العمل، وأنّ الظالمَ لا بُدّ أن يأتي
من يظلمه، وتستمر السلسلة والحلقة، وتستمر الحياة... وعلى الباغي تدورُ الدّوائرُ.
10- لعلّه تبعثُ الأحزان رحمته، أي فربمـا تليقنه درسًا، ربمـا الشعور بالظلم يجعل الإنسان رحيمًا ويعيد للبشر إنسانيتهم، فأحيانًا يتمادى البشر في أفعالهم ويكونون
وحوشًا، بعض الصدمـات والتعرض للظلم يعيدهم لطبيعتهم الإنسانية ويجعل في قلوبهم الرحمة... فإذا ما رأيت إنسانًا رحيمًا؛ فاعلم أنّه قد تعرّض لجميع أنواع الظلم وهكذا...
( فيُصبح الوحش في برديه إنسانًا ) أي فيتحوّل من وحشٍ لإنسان، وبُرديه تعني جلبابه أو ما يُلتحف به.
11: والحزن في النفس نبعٌ لا يمر به، صادٍ من النفسِ إلّا عادَ ريّانا، صادٍ تعني عطشانا، ريان تعني مرتويًا والكلمتان متطابقتـان ( عكس بعض ).
فذاك الحزن هو المصدر الَّذي يعيد النّفس إلى طبيعتهـا ويرويهـا وإن كانت فقيرة بالأحاسيس والرحمة...
12- أما هذا فهو أجمل الأبيات عندي... ( والخيرُ في الكَونِ لو عرّيْتَ جوهَرَهُ؛ رأيتَهُ أدمُعًا حرّى وأحزانًا ):
أي إنّ الخير في هذا الكون ما هو إلا سلسلة من الأحزان والضعف والظُلم، فكلما تعرض الإنسان لتلك المصائب ( ويسأل لماذا فعلت بي هكذا يا إلهي؟ ماذا فعلت
لأستحقُّ هذا؟ ) فكله لارتقاء النّفس، حتى وإن كان ابتلاء ربك لك دون أن ترتكب جريمة مثلًا وعقوبةً لك، فكلما تذوق الإنسان من الحزن وكلما مرّ بأحداث مُبكية...
ارتقت نفسُهُ ورقّ قلبُه وأصبح رحيمًا... فالألم هو الَّذي يجعلك تشعر بالآخرين وتصبح لطيفًا معهم... وتحس بما يحسون به، فتبادلهم الشعور وتبدي لهم ما تحب أن يُبدا لك...
13- في النهاية كانت الدعوة للعرب للاستيقاظ والوحدة، فيسأل: ما للسفينة لم ترفع مراسيهـا؟ ما لركب العرب لم يتحركوا بعد؟؟ ما بهم ساكنين؟؟؟
ألم تهيئ لها الأقدار ربانا؟ ألم يأتِ بعد ذاك الَّذي يقود تلك السفينة فيحركهـا ويقودها ويدلهـا إلى الصواب ويسيرها فيحسن سيرهـا؟!ّ
14- شُقّي العواصف والظلماء جاريةً باسم الجزيرة مجرانا ومرسانا... شقي طريقك أمام كل المشاكل والمصائب والمعاناة، أمام كل الظلم وما تعرضنـا له من أحزان...
باسم الدماء وباسم الشهداء، ارفع شعار الأمة العربية، انطلقي واتحدي ولا تجعلي شيئًا يقف في طريقك... كل تلك الجزر هي لك لا لغيرك، هي أراضيكِ لا أراضي المُحتل...
حتى وإن سلبهـا فسنستردهـا بالقوّة.
15- ضُمّي الأعاريب من بدوٍ ومن حضرٍ، إني لألمح خلف الغيمِ طوفانًا! إنّي أرى خلف كل تلك الظلمـات عاصفةً من الثورات والمواجهة... إنه طوفان العرب.
16- أيها المعتدي، أنت تعرفنـا وتستدل بنـا من خلال رؤية كتائبك مُدمّرة، انتظر جيشَنـا الذي سيسود الكَون.
في النهاية أتمنى أن يكون الموضوع قد نال إعاجبكم وأفادكم ولو في بيتٍ واحد، أسأل الله أن يوفقنـا ويعيد سوريا وجميع البلدان العربيّة
شامخة ويفرج عنهم؛ لكن حتّى يغير الله ما بقوم يجب أن يغيروا ما بأنفسهم... وإلى يومنـا هذا ننتظر ذاك القائد الَّذي سيفعلُ ما طلبه بدوي الجبل...
أتمنى أن تشاركوني بأكثر الأبيات أُعجبتم به، جاهز لاستفساراتكم ومناقشاتكم.
شكرًا وبالتّوفيق.