3
الصداقة اغلي من المرجان
يُحكى أنه كان فيما كان شاب ذو ثراء عظيم ، وكان والده يعمل بتجارة الجواهر والياقوت وما شابه . وكان الشاب يغدق على اصدقائه ايَّما اغداق وهم بدورهم يجلونه ويحترمونه بشكل لا مثيل له
دارت الايام دورتها ومات والد الشاب وافتقرت العائلة افتقارا شديدا ، فقلَّب الشاب ايام رخائه ليبحث عن اصدقاء الماضي
فعلم ان أعز صديق له قد أثري ثراء لا يوصف وصار من اصحاب القصور والاملاك والضياع والاموال ،
فتوجه اليه عسى ان يجد عنده سبيلا لاصلاح الحال ..لما وصل الشاب باب قصر صديقه استقبله الخدم والحشم ، فذكر لهم صلته بصاحب الدار وحكى لهم عن مودتهم القديمة
فذهب الخدم وأخبروا صديقه بذلك ، فنظر إلى ذلك الشاب من خلف ستار ، فرأى شخصا رث الثياب عليه آثار الفقر فلم يرضَ بلقائه وأمر الخدم بان يخبروه ان صاحب الدار لا يمكنه استقبال احد الآن ..
خرج الشاب والدهشة تأخذ منه مأخذها وهو يتألم على الصداقة كيف ماتت ، وعلى القيم كيف تذهب بصاحبها بعيدا عن الوفاء ، وتساءل عن الضمير كيف يمكن ان يموت ولا تجد المروءة سبيلها لنفوس البعض !!
ذهب الشاب في طريقه ، وقريباً من داره صادف ثلاثة من الرجال عليهم أثر الحيرة وكأنهم يبحثون عن شيء ..
فسألهم : ما أمر القوم ؟
قالوا له : نبحث عن رجل يُدعى فلان ابن فلان "وذكروا اسم والده".فقال لهم : انه أبي ! وقد مات منذ زمن !
فتاسف الرجال وذكروا أباه بكل خير ، ثم قالوا له : يا بني ، ان أباك كان يتاجر بالجواهر ، وله عندنا قِطَع نفيسة من المرجان كان قد تركها عندنا امانة ..
وأخرجوا كيساً كبيراً مليئاً بالمرجان ، فدفعوه اليه ورحلوا والدهشة تعلو وجهه ولا يكاد يُصدِّق ما رأى وسمع !
ثم انتبه لنفسه وقال : لكن ... أين اليوم مَن يشتري المرجان ؟! لا يشتريه إلا الأثرياء ، وليس في هذه البلدة مَن يملك ثمن قطعة واحدة ..
مضى الشاب في طريقه ، وبعد برهة صادَفَ امرأة كبيرة في السن تبدو عليها آثار النعمة
فقالت له : يا بني ، أين أجد باعة المجوهرات في بلدتكم ؟
فتسَمَّر الرجل في مكانه وسألها : عن أي نوع من المجوهرات تبحثين يا خالة ؟
فقالت : أريد أي نوع من الأحجار الكريمة ، لا يهم ثمنها ، فقط أريدها رائعة الجمال ..
فسألها : هل يروق لك المرجان ؟
فقالت : نِعْمَ المَطلَب !
فأخرج الشاب من كيسه بضع قِطَع من المرجان ، فاندهشت المرأة لجمال ما رأت ، وابتاعت عدداً من القطع ، على وعد بأن تعود لتشتري المزيد ..وهكذا رُويداً رُويداً عادت الحال الى اليُسر بعد العسر ، وعادت تجارته لتنشط بشكل كبير ..وتذَكَّر الشاب ذات يوم ذاك الصديق الذي ما أدى حق الصداقة ولا حفظ العشرة ، فبعث إليه ببَيتين مِن الشِعر مع أحد الأصدقاء ، جاء فيهما :
صَحِبْتُ قوماً لِئاماً لا وفاءَ لهم * يدْعون بينَ الوَرَى بالمكرِ والحِيَلِ
كانوا جُلوسي إذ كنتُ رَبَّ غِنَى * وحين أفلَسْتُ عَدُّوني مِن الجُهَّلِ
فلما قرأ صديقه هذه الأبيات كتب على ظهرها ثلاثة أبيات وردَّها إليه .. جاء فيها :
أما الثلاثةُ قد وافوك مِن قِبَلِي * ولَم تكُن سَبَباً إلا مِنَ الحِيَلِ
أما مَن ابتاعَت المرجانَ والدتي * وأنتَ أنتَ أخِي بَلْ مُنتَهَى أمَلي
وما طرَدْناكَ مِن بُخلٍ ومِن قلَلٍ * لكن عليكَ خَشينا وَقفةَ الخَجَلِ
أين نحن من هذه الأخلاق ؟!